أدلة النصارى النصية على عقيدة التثليث ونقضها


 أدلة النصارى النصية على عقيدة التثليث ونقضها

من الطبيعي والمتوقع ونحن نتحدث عن أهم عقائد النصرانية، أي التثليث أن نجد ما يؤصله في عشرات النصوص الواردة على لسان الأنبياء ثم المسيح ثم تلاميذه من بعده.

لكن عند التصفح الدقيق لما بين دفتي الكتاب المقدس فإنا لا نجد الدليل الصريح الذي نبحث عنه، لا في العهد القديم، ولا في الجديد، ولم العجلة في إصدار الأحكام، هلم نتأمل ما جاء في الكتاب المقدس من تأصيل لهذا المعتقد الهام.

1- النصوص التوراتية وعقيدة التثليث


تعلق النصارى ببعض النصوص التوراتية وزعموا أنها إشارات إلى التثليث منها استخدام بعض النصوص صيغة الجمع العبري (ألوهيم) عند الحديث عن الله كما في مقدمة سفر التكوين
"
في البدء خلق الله السماء والأرض" (التكوين1/1)، وفي النص العبري"ألوهيم" أي: (الآلهة) ومثله في استخدام ما يدل على الجمع في أفعال منسوبة لله كقول التوراة أن الله قال: "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم" (التكوين11/7).
و من الإشارات التوراتية أيضاً لتثليث الأقانيم قول الملائكة
"
قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود" (إشعيا6/3)، فقد كرر ذكر كلمة قدوس ثلاث مرات، ومثله قالت الحيوانات التي رآها يوحنا في رؤياه: " قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء" (الرؤيا 4/8).

- نقد النصوص التوراتية

وبداية يعترف النصارى بأن ليس في هذه النصوص ما نستطيع أن نعتبره دليلاً صريحاً على التثليث الذي تنقضه النصوص التوحيدية الصريحة، كما لم يفهم سائر قراء العهد القديم - من لدن الأنبياء الأوائل لبني إسرائيل - شيئاً عن تلك التي يعتبرها النصارى إشارات على التثليث.
ويعترف بذلك القس بوطر، فيقول: "بعدما خلق الله العالم، وتوج خليقته بالإنسان لبث حيناً من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بالوحدانية كما تبين ذلك من التوراة على أنه لا يزال المدقق يرى بين سطورها إشارات وراء الوحدانية، لأنك إذ قرأت فيها بإمعان تجد هذه العبارات "كلمة الله" أو "حكمة الله" أو "روح الله" ولم يعلم من نزلت إليهم التوراة في ضوء الإنجيل يقف على المعنى المراد، إذ يجدها تشير إلى أقانيم اللاهوت…فما لمحت إليه التوراة صرح به الإنجيل"، وهنا يتساءل المرء لم ألغز الله تثليث أقانيمه عن موسى وبني إسرائيل، ولم كان سبب ضلالهم بما أورده لهم من نصوص موحدة، جعلتهم يحاربون عقيدة التثليث ويرفضونها، وهل سيغفر لهم ولغيرهم أنهم لم يهتدوا إلى حقيقة المراد من هذه الألغاز.
ونظر المحققون فيما أسمته النصارى إشارات التوراة، فوجدوا من النصارى لها تمحلاً لا تقبله الأذواق السليمة، ولا ترتضيه دلالات الكلام وتناسق السياق.
إن غاية ما يمكن أن تدل عليه هذه النصوص تعدد الآلهة، من غير تحديد لها بالتثليث أو التربيع أو غيره.
والجمع الوارد في مثل قوله: (ألوهيم، هلم ننزل ونبلبل) هو جمع تعظيم لا يفيد الكثرة، وقد اعتادت الأمم التعبير عن عظمائها باستخدام جمع التعظيم، فيقول الواحد: نحن، ورأينا، وأمرنا، ومقصده نفسه، ولا يقهم منه مستمع أنه يتحدث عن ذاته وأقانيمه الأخرى.
واستخدام صيغة الجمع للتعظيم لا العدد معروف حتى في الكتاب المقدس، وله صور منها قصة المرأة التي رأت روح صموئيل بعد وفاته، فعبرت عنه باستخدام صيغة الجمع، تقول التوراة: " فلما رأت المرأة صموئيل صرخت بصوت عظيم..فقالت المرأة لشاول: رأيت آلهة يصعدون من الأرض، فقال لها: ما هي صورته؟ فقالت: رجل شيخ صاعد، وهو مغطي بجبّة. فعلم شاول أنه صموئيل" (صموئيل (1) 28/12-14)، فقد كانت تتحدث عن صموئيل، لقد رأته على هيئة رجل شيخ، وتستخدم مع ذلك صيغة الجمع (آلهة)، فالجمع لا يفيد العدد بالضرورة.
وعندما عبد بنو إسرائيل العجل، وهو واحد سمته التوراة آلهة مستخدمة صيغة الجمع في ثلاثة مواضع، تقول: " فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر....صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً، وسجدوا له، وذبحوا له، وقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج 32/4-8)، ويمضي السفر ليؤكد ثالثة أصالة استعمال الجمع الذي يراد منه الواحد، فيقول: "رجع موسى إلى الرب، وقال: آه قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب" (الخروج 32/31).
ومثله تجد هذا الاستخدام عند المسلمين كما في قول الله: [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ] (الحِجر: 9)، فالمقصود هو الله الواحد العظيم.
وأما التكرار ثلاث مرات في قول الملائكة أو حيوانات رؤيا يوحنا وأمثال ذلك، فلا يصلح في الدلالة في شيء. فلو اطرد الاستدلال على هذه الكيفية فلسوف نرى تربيعاً وتخميساً وغير ذلك من التعداد للآلهة، فلئن وردت كلمة "قدوس" مثلثة مرتين في الكتاب المقدس، فإنها وردت مفردة نحو أربعين مرة، وإنما يراد من التكرار التأكيد كما في نصوص إنجيلية وتوراتية كثيرة، منها قول اليهود: " فصرخوا قائلين: اصلبه، اصلبه" (لوقا 23/21)، ونحوه في سؤال المسيح لبطرس، فقد كرره ثلاث مرات " فبعدما تغدوا قال يسوع لسمعان بطرس: يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء؟ قال له: نعم يا رب، أنت تعلم أني أحبك... قال له أيضاً ثانية: يا سمعان بن يونا أتحبني؟... قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا أتحبني؟ فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة: أتحبني" (يوحنا21/15-17).

2- النصوص الإنجيلية وعقيدة التثليث

ويرى النصارى أن ثمة أدلة على التثليث في أسفار العهد الجديد أصرح وأوضح من تلك التي وردت في التوراة منها أنه
" لما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة، وآتياً عليه، وصوت من السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب والروح الذي سررت به" (متى 3/16-17).

فقد جمع النص الآب والابن الحبيب والروح النازل مثل الحمامة. ومثله يقول بولس:
"بنعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم. آمين" (كورنثوس (2)13/14).

لكن المتأمل في نص متى يرى ثلاث ذوات تمايزت بالأسماء والأعمال فكيف بعد ذلك يقال عنها بأنها وحدة واحدة.

ثم أن النصارى يقولون بحلول الابن في عيسى، وهنا يتحدث النص عن حلول الروح عليه، وفي مواضع أخرى أكد ذلك
(انظر لوقا 3/22، متى 12/18)، فيما جاءت مواضع أخرى تتحدث عن حلول الله الأب فيه (انظر يوحنا 17/21، 14/9-10)، فأي الأقانيم إذاً الحال في المسيح.

و ليس في الكتاب المقدس سوى نصين فقط ذكر فيهما عناصر التثليث الثلاث جنباً إلى جنب، وهما نص الشهود الثلاثة في رسالة يوحنا الأولى وخاتمة إنجيل متى
.

- الاستدلال بنص الشهود الثلاثة على التثليث

وهو أول النصين وأصرحهما، وهو ما جاء في رسالة يوحنا الأولى في قول يوحنا:
"
فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم الواحد" (يوحنا(1) 5/7).

فهذا النص صريح في جعل الثلاثة إلهاً واحداً، غير أنه غير موجود في سائر المخطوطات القديمة للكتاب المقدس، بل وغير موجود حتى في أول نص مطبوع، فقد أضيف لاحقاً، وقد اعترف بإضافته علماء النصرانية ومحققوها ومنهم هورن، وجامعو تفسير هنري واسكات، وآدم كلارك، وفندر، وخلت ردود القديس أكستاين (ق4) من هذا النص على الرغم من مناظرته لفرقة ايرين المنكرة للتثليث، كما قد كتب عشر رسائل في شرح رسالة يوحنا لم يذكر في أيها هذا النص.
وقد حذفته النسخة القياسية المنقحة ( R S V ) من نسختها الإنجليزية، كما حذفته بعض التراجم العالمية، وما يزال موجوداً في غالب التراجم، ومنها العربية، يقول بنيامين ولسن مترجم المخطوطات اليونانية: "إن هذه الآية التي تشمل على الشهادة بالألوهية غير موجودة في أي مخطوط إغريقي مكتوب قبل القرن الخامس عشر، إنها لم تذكر بواسطة أي كاتب إكليركي (إغريقي) أو أي من الآباء اللاتينيين الأولين حينما يكون الموضوع الذي يتناولونه يتطلب بطبيعته الرجوع إليها، لذلك فهي بصراحة مختلقة".

- نقد الاستدلال بخاتمة متى على التثليث

وأما النص الثاني فهو ما جاء في خاتمة متى من أن المسيح قبيل صعوده إلى السماء
" كلمهم قائلاً: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن وروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين" (متى 28/ 18-20).
وأول نقد يتوجه لهذه الفقرة أنها رغم أهميتها لم ترد في الأناجيل الثلاثة الأخرى التي اتفقت على إيراد قصة دخول المسيح أورشليم راكباً على جحش. فهل كان ركوبه على جحش أهم من ذكر التثليث فلم يذكره سوى متى.
هذه الفقرة دخيلة بدليل قول علماء الغرب أيضاً، يقول ويلز: ليس دليلاً على أن حواريي المسيح اعتنقوا التثليث".
ويقول أدولف هرنك: "صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والابن والروح القدس، غريب ذكرها على لسان المسيح، ولم يكن لها وجود في عصر الرسل، …كذلك لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة في من التعاليم النصرانية ما يتكلم به المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات، إن بولس لا يعلم شيئاً عن هذا ". إذ هو لم يستشهد بقول ينسبه للمسيح يحض على نشر النصرانية بين الأمم.
ويؤكد تاريخ التلاميذ عدم معرفتهم بهذا النص، إذ لم يخرجوا لدعوة الناس كما أمر المسيح، ثم لم يخرجوا من فلسطين إلا حين أجبرتهم الظروف على الخروج "وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكيا وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط" (أعمال 11/19).
ولما حدث أن بطرس استدعي من قبل كرنيليوس الوثني ليعرف منه دين النصرانية، ثم تنصر على يديه. لما حصل ذلك لامه التلاميذ فقال لهم: " أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه، وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس" (أعمال 10/28)، لكنه لم يذكر أن المسيح أمرهم بذلك بل قال: " نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات، وأوصانا أن نكرز للشعب" (أعمال10/42)، أي لليهود فقط.
وعليه فبطرس لا يعلم شيئاً عن نص متى الذي يأمر بتعميد الأمم باسم الأب والابن والروح القدس. ولذلك اتفق التلاميذ مع بولس على أن يدعو الأمميين، وهم يدعون الختان أي اليهود يقول بولس: "رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة (الأمم) كما بطرس على إنجيل الختان…أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم، وأما هم فللختان" (غلاطية2/7-9)، فكيف لهم أن يخالفوا أمر المسيح - لو كان صحيحاً نص متى - ويقعدوا عن دعوة الأمم، ثم يتركوا ذلك لبولس وبرنابا فقط ؟
وجاءت شهادة تاريخية تعود للقرن الثاني مناقضة لهذا النص إذ يقول المؤرخ أبولونيوس : "إني تسلمت من الأقدمين أن المسيح قبل صعوده إلى السماء كان قد أوصى رسله أن لا يبتعدوا كثيراً عن أورشليم لمدة اثني عشر سنة".
فكل هذه الشواهد تكذب نص متى، وتؤكد أنه نص مختلق لا تصح نسبته للمسيح.
ثم عند غض الطرف عن ذلك كله، فإنه ليس في النص ما يسلم بأنه حديث عن ثالوث أقدس اجتمع في ذات واحدة، فهو يتحدث عن ثلاث ذوات متغايرة، قرن بينها بواو عاطفة دلت على المغايرة، والمعنى الصحيح للنص : "اذهبوا باسم الله ورسوله عيسى والوحي المنزل عليه بتعاليم الله عز وجل".
ولهذه الصيغة مثل لا يصرفه النصارى للتثليث، فقد جاء في بعض رسالة بولس إلى تيموثاوس: "أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين…" (تيموثاوس(1) 5/21) فإن أحداً لم يفهم من النص ألوهية الملائكة أو أنهم الأقنوم الثالث، ويقال في نص متى ما يقال في نص بولس.
 وهذا الأسلوب في التعبير معهود في اللغات والكتب وقد جاء في القرآن مثله [  يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ] (النساء: 136) وغير ذلك من الآيات القرآنية.

نقدعقيدة التثليث :
وإذا لم نجد للتثليث دليلاً صريحا واحداً ينهض للاستدلال، فهل ترانا نجد لنقيضه، وهو التوحيد دليلاً في ثنايا الكتاب المقدس؟
إن المتأمل في الأسفار المقدسة يرى بوضوح غرابة دعوة التثليث وتسطع أمامه أصالة التوحيد في النصرانية وبهاؤه، فقد دلت عليه عشرات النصوص الصريحة الناصعة في وضوحها، والتي تؤكد بأن معتقد المسيح وتلاميذه، ومن قبلهم أنبياء الله هو توحيد الله عز وجل.
1- النصوص الموحدة في العهد القديم

تتلألأ دعوة التوحيد في العهد القديم، وتنطق بها النبوات، وتكثر حولها وصاياهم، وتتسابق النصوص وهي تؤكد أصالة هذا المعتقد، منها:
- ما جاء في سفر التثنية من وصايا موسى التي كتبها الله لموسى على لوحي الحجر، وأر بين إسرائيل بحفظها، وجاء المسيح بعده فأكد عليها "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا واحد، فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك، ولتكن هذا الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك، وقُصّها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يديك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (التثنية 6/4-9).
- " أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (التثنية 5/6).
- ومنها وصية الله لموسى وبني إسرائيل: " أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك إلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة ما، مّما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض" (الخروج 20/2-4).
- وجاء في مزامير داود: " كل الأمم الذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويمجدون اسمك، لأنك عظيم أنت، وصانع العجائب. أنت الله وحدك" (مزمور 86/9-10) هو وحده الله، وليس يشاركه في اسمه أو ألوهيته أحد، بما في ذلك المسيح عليه السلام.
- وجاء في إشعيا: " يقول الرب:…قبلي لم يصور إله، وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص، أنا أخبرت وخلصت و…" (إشعيا 43/10-12).
- و"أيها الرب إلهنا خلصنا من يده، فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب وحدك" (إشعيا 37/20).
- "أنا الرب صانع كل شيء، ناشر السماوات وحدي باسط الأرض، من معي؟!" (إشعيا 44/ 24)، فأين هذا ممن جعل الواحد ثلاثة، وأوكل الخلق إلى غيره؟
- "أنا الرب وليس آخر، لا إله سواي" (إشعيا 45/5).
- وجاء في نبوة إشعيا " يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود: أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله غيري. ومن مثلي ينادي، فليخبر به ويعرضه لي.. هل يوجد إله غيري، ولا صخرة لا أعلم به" (إشعيا 44/6-9).
- ومثله كثير في أسفار العهد القديم (انظر ملاخي 2/10، ملوك(1)8/27، …).

2- النصوص الموحدة في العهد الجديد

وكذا جاءت أسفار العهد الجديد تؤكد تفرد الخالق بالألوهية والربوبية وتذكر ذلك على لسان المسيح وحواريه.

- يقول المسيح:
" ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد، الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين، لأن معلمكم واحد، المسيح". (متى 22/9-10).

- ومن ذلك أيضاً ما جاء في متى:
" وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله" (متى 19/17).
- وكذا قول يوحنا
" كلم يسوع بهذا، ورفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الآب قد أتت الساعة، مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً، إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته، وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 17/2-3) ، فليس من إله على الحقيقة إلا هو تعالى، سبحانه.

- ولما جرب الشيطان يسوع وقال له:
" أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي. حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان. لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (متى 4/10، ومثله في لوقا 4/8).
- وقال المسيح لليهود
"
أنتم تعملون أعمال أبيكم.فقالوا له: إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد، وهو الله. فقال لهم يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من قبل الله وأتيت، لأني لم آت من نفسي، بل ذاك أرسلني" (يوحنا 8/41-42).
- كما قال مخاطباً ربه
" الحياة الأبدية أن يعرفونك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 17/3).

- والتوحيد معتقد تلاميذ المسيح وتلاميذهم، فهاهم عن بولس ينقلون
" المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكناً في نور، لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يُقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية." (تيموثاوس (1) 6/15-16).
- و مما جاء على لسان تلاميذه قول يعقوب
" أنت تؤمن أن الله واحد. حسناً تفعل" (يعقوب 2/19).
- ويقول:
"واحد هو واضع الناموس القادر أن يخلص ويهلك" (يعقوب 4/12).
- ويقول يهوذا:
"الإله الحكيم الوحيد مخلصنا" (يهوذا 25).
- ويقول أيضاً:
"و ينكرون السيد الوحيد: الله، وربنا يسوع" (يهوذا 4).
- بل وحتى بولس نجد له بعض النصوص التي تعترف لله بالوحدانية، ومن ذلك قوله
"يوجد إله واحد ووسيط بين الله والناس:الإنسان يسوع المسيح" (تيموثاوس(1)2/5).
- ويقول:
"
لكن الله واحد" (غلاطية 3/20).
فهذه النصوص وكثير مثلها تتحدث عن الإله الواحد، وليس في واحد منها أو غيرها حديث عن الإله المتعدد الأقانيم المتوحد في الجوهر الذي يدعيه النصارى.

التثليث سر لا يطيقه العقل :

وإزاء هذا التناقض بين قرارات المجامع المثلثة والنصوص الموحدة كان لابد أن يعمل النصارى عقولهم على جمع هذه المتناقضات التي يستحيل تصورها معاً، وعلى تفهيم البشر قضية الثلاثة الذين هم واحد، والواحد الذي هو ثلاثة.
وأمام ضعف هذه العقيدة وعجز العقل البشري عن تصورها، بل رفضه لها لا يجد النصارى من سبيل إلا القول بأن تثليثهم سر من الأسرار التي لا يمكن للعقل أن يقف على كنهها، بل يعترف البعض منهم بتعارض المسيحية والعقل فيقول القديس سان أوغسطين : "أنا مؤمن، لأن ذلك لا يتفق والعقل".
ويقول كير كجارد: "إن كل محاولة يراد بها جعل المسيحية ديانة معقولة لابد أن تؤدي إلى القضاء عليها"، و قد جاء في "التعليم المسيحي" : لا يجوز التدخل في أسرار الله، لأننا لا نستطيع إدراك أسرار الإيمان.
ويقول زكي شنودة: "و هذا سر من أسرار اللاهوت الغامضة التي لا يمكن إدراك كنهها بالعقل البشري".
ويقول الأب جيمس تد: "العقيدة المسيحية تعلو على فهم العقل".
ويقول القس أنيس شروش: " واحد في ثلاثة، وثلاثة في واحد، سر ليس عليكم أن تفهموه، بل عليكم أن تتقبلوه".

نشأة التثليث في النصرانية :

والحق أن كل ما يقوله النصارى من أدلة على التثليث لا يسوغ الاستدلال بها، لأن من تنسب إليهم هذه الأسفار لم يعلموا عن التثليث شيئاً.
فأول من أدخل تعبير الثالوث إلى النصرانية ترتليان (200م تقريباً)، كما ذكر ذلك قاموس الكتاب المقدس، وقد خالفه كثيرون من آباء الكنيسة حينذاك، منهم سبيليوس وغيره، وقد انتصر التثليث على التوحيد بعد تنصر قسطنطين في القرن الرابع. وأما ما قبل ترتليان فليس للتثليث أي ذكر.
وقد أصبح التثليث عقيدة رسمية للنصرانية في أعقاب مجمعين قرر في الأول منهما تأليه المسيح، وفي الثاني تم تأليه روح القدس.
أولاً: مجمع نيقية: انعقد مجمع نيقية عام 325م بأمر من الإمبراطور الوثني قسطنطين الذي كان قد أعلن قبل بضع سنوات قانون التسامح الديني في الإمبراطورية.
ورأى قسطنطين النزاعات بين الكنائس النصرانية تفتت شعب الإمبراطورية وتزعج كيان الدولة، فقرر الدعوة إلى مجمع عام تحضره الطوائف النصرانية المختلفة، وقد عقد المجمع بإشرافه الشخصي، وقام بافتتاحه، وحضره 2048 أسقفاً من مختلف الكنائس المسيحية، واستمرت المداولات ثلاثة أشهر من غير أن يصل المجتمعون إلى رأي موحد.
وقد كان المجتمعون على ثلاثة محاور رئيسة:
أ- موحدون منكرون لألوهية المسيح يتزعمهم آريوس الاسكندراني وأوسابيوس ومعهم زهاء ألف من الأساقفة.
ب- القائلون بأن للمسيح وجوداً أزلياً مع الأب وأنه من ذات جوهره وإن مثّل أقنوماً مستقلاً عنه، وذكر هؤلاء بأن المسيح لو لم يكن كذلك لما صح أن يكون مخلصاً، ومن القائلين بهذا الرأي بابا روما الاسكندروس، والشاب الوثني المتنصر أثناسيوس الذي يقول عنه كتاب التربية الدينية المسيحية:
"كلنا يعلم ما للقديس أثناسيوس الرسول من مكانة ممتازة في الكنيسة المقدسة على مر العصور… لقد حضر هذا القديس مع البابا الاسكندروس مجمع نيقية… فكان القديس أثناسيوس هو الجندي الصالح ليسوع المسيح، وكان للقديس أثناسيوس أيضاً الفضل في صياغة قانون الإيمان… وفي أواخر سنة 329م بطريركاً خليفة للبابا الكسندروس".
ج- وأراد بعضهم التوفيق بين الرأيين ومنهم أوسايبوس أسقف قيسارية حيث قال بأن المسيح لم يخلق من العدم، بل هو مولود من الآب منذ الأزل، وعليه ففيه عناصر مشابهة لطبيعة الآب.
ولا يخفى أن هذا الرأي-الذي زعم التوفيق - لا يكاد يختلف عن رأي أثناسيوس، وقد مال الملك إلى هذا الرأي الذي مثله ثلاثمائة وثمانية عشر قساً، وخالف بقية المجتمعين الذين كانوا يشايعون آريوس أو مجموعات تتبنى آراء أضعف في المجمع كالقائلين بألوهية مريم أو أن الآلهة ثلاثة صالح وطالح وعدل أو غير ذلك.
وقد أصدر القسس الثلاثمائة والثمانية عشر قرارات مجمع نيقية والتي كان من أهمها إعلان الأمانة التي تقرر ألوهية المسيح، كما أمر المجمع بحرق وإتلاف كل الكتب والأناجيل التي تعارض قراره.
وأصدر قراراً بحرمان آريوس والقائلون برأيه، وقراراً آخر بكسر الأصنام وقتل من يعبدها، وأن لا يثبت في الديوان إلا أبناء النصارى.
وحصل لآريوس وأتباعه ما كان قاله المسيح: "سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله، وسيفعلون هذا لكم، لأنهم لم يعرفوا الآب ولم يعرفوني" (يوحنا 16/2-3)، فلو عرفوا الله حق معرفته وقدروه حق قدره لما جرؤوا على نسبة الولد إليه، ولما قالوا بألوهية المصفوع المصلوب.
وقد أغفل مجمع نيقية الحديث عن الروح القدس ولم يبحث ألوهيته، فاستمر الجدل حولها بين منكر ومثبت حتى حسمت في مجمع القسطنطينية.
ثانياً: مجمع القسطنطينية
انعقد المجمع عام 381م للنظر في قول مكدونيوس أسقف القسطنطينية الأريوسي والذي كان ينكر ألوهية الروح القدس ويقول: "إن الروح القدس عمل إلهي منتشر في الكون، وليس أقنوماً متميزاً عن الأب والابن".
وقد أمر بعقد المجمع الإمبراطور تاؤديوس (ت395)، وحضره مائة وخمسون أسقفاً قرروا فيه:
1- عدم شرعية المذهب الأريوسي، وفرضوا عقوبات مشددة على أتباعه.
2- أن روح القدس هو روح الله وحياته، وزادوا في قانون الإيمان فقرة تؤكد ذلك، وبذلك أصبح التثليث ديناً رسمياً في النصرانية، و قد ذكر القائلون بألوهية روح القدس في المجمع بأنه "ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله، وليس الله شيئاً غير حياته، فإذا قلنا أن روح القدس مخلوق، فقد قلنا أن الله مخلوق".
3- لعن مكدونيوس وأشياعه.
4- وضعت بعض القوانين المتعلقة بنظام الكنيسة وسياساتها.

0 commentaires:

إرسال تعليق