عاشرا : السيدة مريم بين فرق النصارى


عاشرا : السيدة مريم بين فرق النصارى

بدأ الخلاف في شخص مريم عليها السلام على يد النسطورية في مجمع أفسس[1] الأول 431 م  ، فكان النسطوريون هم الذين قالوا أنها أم يسوع الإنسان فحسب ، ولا نصيب لها في الشفاعة أو العبادة ، وهنا اختلفت نظرة الطوائف المختلفة لمريم العذراء حسب ما يلي :

1-هى أم الإله فى العقيدة الأرثوذكسية.

تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بشفاعة مريم البتول وأنها مقدمة على الملائكة ورؤساء الملائكة ، فهى أم الإله وهي الملكة القائمة عن يمين الملك ، وتؤمن الكنيسة بصعود جسد العذراء إلى السماء.
وهم يصومون لها صوم السيدة العذراء ، فإنهم يزعمون أنه لما رجع توما الرسول من التبشير فى الهند، سألهم عن السيدة العذراء ، فقالوا له إنها قد ماتت ، فقال لهم "أريد أن أرى أين دفنتموها!"  وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارك ، فإبتدأ يحكى لهم أنه رأى الجسد صاعدا...  فصاموا 15 يوماً من أول مسرى حتى 15 مسري، فأصبح عيد للعذراء يوم 16 مسرى من التقويم القبطي.[2]
ويقولون أن من لا يصوم لها هو الخاسر لأنهم يطلبون الشفاعة وقت الصيام ، فهم يتعبدون لها لتشفع لهم ، لكن هل ترضى هي بذلك؟! لا ريب لا لأنها من اصطفاها لتوحيدها وقنوتها لرب العالمين.

2-هي شريكة فى الفداء عند الكاثوليك مستحقة للعبادة وليست شريكة فى الثالوث.

فهي في اعتقادهم أم الإله المطهرة التي أتت بالإله المتجسد الذي جاء بالفداء ، لذلك فهي شريكة في فداء البشر من الخطيئة الأصلية المزعومة ، وسوف نذكرها في مكانها إن شاء الله.
ونظرا لأنها شريكة في الشفاعة ، فقد صرف الكاثوليك والأرثوذكس لها العبادة ، فتمثلت عبادة الكاثوليك لمريم في عدد من الصلوات التي تؤدى لها، ومنها "صلاة مريم" وفيها يقولون: "يا خطيبة مختارة من الله، يا أيتها المستحقة الاحترام من الجميع … يا باب السماء … يا ملكة السماء التي جميع الملائكة يسجدون لها، وكل شيء يسبحها ويكرمها … فاستمعينا يا أم الله، يا ابنة، يا خطيبة الله، يا سيدتنا ارحمينا وأعطينا السلام الدائم … لك نسجد ولك نرتل".
ومثال هذه الصلوات نجدها عند الأرثوذكس بأسلوب آخر ، رغم أنهم ينكرون هذه الصلوات على الكاثوليك ، فأنكروا عليهم ما وقعوا فيه.
ويقدسونها فى الأيام المريمية ويلقبونها بسيدة السماء ، وهو نفس ما كان يعتقده المصريون القدماء أن إيزيس أم الإله حورس المخلص وزوجه أوزوريس ، فقد كان المصريون يلقبونها بالعذراء وأم الإله والسيدة وملكة السما ونجمة البحر والشفيعة.
وهنا نقول :
لقد صدق الله عز وجل حينما قال : (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[3] ، فما فعله النصارى بمريم عليها السلام هو نفس فعل الأمم السابقة كالفراعنة واليونان واليهود.
ولنأخذ المتابعة لليهود نموذجا : فقد أدى الأمر لعبادتها كما عبد اليهود ملكة السماء ، فاليهود قد عبدوا من قبل ملكة السماوات وقربوا لها القربان كما في سفر أرميا : (الابناء يلتقطون حطبا والاباء يوقدون النار والنساء يعجن العجين ليصنعن كعكا لملكة السماوات ولسكب سكائب لالهة اخرى لكي يغيظوني )[4] ، وكانوا يبخرون لها البخور ، ويقربون لها القرابين ، فينالون الخير بهذه الأمور ، لذلك استدلوا على أرميا بحصول الخير مع وقوع الشرك على صحة المذهب فقالوا : (اننا لا نسمع لك الكلمة التي كلمتنا بها باسم الرب * بل سنعمل كل امر خرج من فمنا فنبخر لملكة السماوات ونسكب لها سكائب كما فعلنا نحن واباؤنا وملوكنا ورؤساؤنا في ارض يهوذا وفي شوارع اورشليم فشبعنا خبزا وكنا بخير ولم نر شرا *  ولكن من حين كففنا عن التبخير لملكة السماوات وسكب سكائب لها احتجنا الى كل وفنينا بالسيف والجوع )[5].
وهذا خلاف ما نفاه القرآن الكريم من عدم الاستدلال بحصول الخير للمشركين على صحة المذهب ، فهذا هو الشرك المجرب ، فالله عز وجل يقول : (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[6] ، فقد يحصل للمشرك خير ، لكن هذا من باب الإخلاص في بعض الأوقات ، الأوقات التي تتجه فيها فطرة المرء لله عز وجل ، وهي أوقات الشدة  ، ثم يتركون هذا التوحيد في أوقات الرخاء.

3-عقيدة الحبل بلا دنس عند الكاثوليك

يراد بهذه العقيدة أن الله عز وجل قد قام بتطهير مريم عليها السلام من الخطيئة الأصلية قبل الحمل بعيسى عليه السلام[7] ، وذلك رغم ولادتها من أبوين يحملان هذه الخطيئة الأصلية، فهو تناقض ، ويرون أن السبب في ذلك هو تكريمها ، وحتى يكون المولود منها بلا دنس ، لذلك فهم يحتفلون يوم 8 أيلول/سبتمبر من كل عام بعيد ميلاد العذراء بلا دنس الخطية الأصلية.
ويعتمد الكاثوليك في تقديسها على ما جاء في النص الكاثوليكي لإنجيل لوقا، وفيه: (فلما دخل إليها الملاك قال: السلام عليك يا ممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء) [8].

4-رد الأرثوذكس على عقيدة الحبل بلا دنس

لكن الأرثوذكس ردوا على الكاثوليك في هذه العقيدة ، فقالوا أنها تحتاج للخلاص مثل باقي البشر ، لقولها : (تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى)[9] ، فقولها "مخلصي" هو اعتراف منها باحتياجها للخلاص كسائر البشر ، مما يدل على حملها الخطيئة الأصلية.
ولو قلنا بلزوم خلوها من الخطيئة الأصلية للزم خلو أبويها منها ، ويلزم من ذلك أمران:
الأول : أن آدم وحواء لم يخطئا لأن التسلسل يصل لهما
الثاني : أن أبوي مريم ليسوا من البشر.
ولا يمكن القول بأحدهما حسب المعتقد الأرثوذكسي.
أما في المفهوم الإسلامي فلا مكان لمثل هذه العقائد ، فلا مكان لتوارث الخطيئة ، وهذه نذكره في مبحث الصلب الفداء والخطيئة الأصلية في هذه الموسوعة بإذن الله ، فالله المستعان وعليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

4-عصمة السيدة مريم عند النصارى

ولما كانت شريكة في الفداء سموها "سيدة المطهر" ، وهي قدرتها على انتشال المؤمنين وعونهم في المطهر[10] ، وقالوا بعصمتها اعتمادا على عقيدة الحبل بلا دنس التي قرروها من قبل.
وقد رد الأرثوذكس عليهم أن القداسة لا تعني العصمة ، وإنما قداستها من حلول روح القدس عليها ، ولو كانت القداسة عن عصمة لشاركها في هذا الأمر قديسات ممن سبقها أو جاء بعدها.
ورغم أن الإنجيل لا يثبت عصمتها حينما أرادت تيسير الخمور لأهل العرس ، بل وأمرت ابنها بذلك ، ولا ريب أن الكتاب المقدس يحرم الخمر ، فكان قيام مريم عليها السلام بخدمة الموجودين بالعرس بمثابة خروج على الشريعة ، وهذا ينقض دعوى العصمة من أصلها ، وبالتالي لوازمها.

5-قيامتها عند الكاثوليك

أعلنت عقيدة صعود جسد ونفس العذراء إلى ملكوت السموات وجلوسها عن يمين السيد المسيح ، ولذلك دائما يرسمها الأرثوذكس والكاثوليك في الأيقونات عن يمين الابن ، بصفة رسمية لأول مرة بواسطة البابا بيوس الثانى عشر بابا روما عام 1950، وصارت منذ ذلك الحين من العقائد الرسمية فى الكنيسة الكاثوليكية.
لقد أعلن البابا بيوس أن العذراء "بعدما أكملت مدة حياتها على الأرض، صعدت بجسدها وروحها إلى المجد السماوى، ورفعها الرب لتكون ملكة على كل شئ، حتى تصير الأكثر مطابقة لابنها، رب الأرباب وقاهر الخطية والموت"... "إن عقيدة صعود مريم للمساء تنبع من وتكمل مفهوم الحبل بها بلا دنس".

6-بتولية العذراء بين الطوائف المسيحية

قالت الأرثوذكس والكاثوليك بدوام عذريتها ، بمعنى أنها لم تتزوج بعد إنجابها للمسيح ، وهذا ما يرده الدليل النقلي والعقلي كما يلي:
1-            في انجيل متى نقرأ عن يوسف النجار أنه لم يجامعها إلا بعد ميلاد يسوع ، يقول متى : (ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع )[11] ، أي انه عرفها بعد أن انجبت يسوع البكر  ، ومعنى كلمة يعرفها : أي يجامعها جماع الأزواج ، ودليل ذلك أن كلمة يعرفها معناها النكاح والوطء ، ففي سفر التكوين نجد هذا ما يؤيد ذلك في العلاقة بين آدم عليه السلام وزوجته حواء : (وعرف آدم حواء امرأته فأنجبت)[12].
2-            أن الإعجاز في عذريتها وقت ميلاد المسيح وليس بعده ، ودوام العذرية من عدمه لا يزيد الأمر شيئا ، فالمعجزة تمت في الميلاد ، ولا حاجة لدوامها.
3-            أنه ورد ذكر إخوة للمسيح في إنجيل متى حيث قال : (وفيما هو يكلم الجموع اذا امه واخوته قد وقفوا خارجا طالبين أن يكلموه * فقال له واحد هوذا امك واخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك )[13] ، كما وردت أسماؤهم عند متى أيضا وهم : (اليس هذا ابن النجار اليست امه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا )[14] ، وأيضا قول بولس في رسالته لأهل غلاطية (ولكنني لم ار غيره من الرسل الا يعقوب اخا الرب )[15].


[1] -وهي عاصمة المقاطعة الرومانية اسيا
[2] - مقال الأنبا ديمترويوس أسقف ملوي عن الصوم  وتكريم العذراء مريم في موقع القديس تكلا ، http://st-takla.org/Feastes-&-Special-Events/Virgin-Mary-Fast/Saint-Mary-Fast_Virgin-Life-Hymns-mp3s-10-7awl-Takrim-Al-3athraa2-Wal-Soum.html
[3] - التوبة (30)
[4] - سفر أرميا (7: 18)
[5] - سفر أرميا (44: 16-18)
[6] -العنكبوت(65)
[7] -إذا كان من الممكن التطهير بهذه السهولة ، فلماذا لم يطهر الله عباده من الخطيئة الأصلية بدلا من مسلسل الصلب والفداء؟!
[8] - لوقا (1:42)
[9] -لوقا (1: 46)
[10] - المطهر هو المكان الذي يطهر المرء فيه من الذنوب في الآخرة قبل دخول الجنة-الملكوت-عندهم.
[11] -متى (1: 25)
[12] - سفر التكوين (4:1)
[13] - متى (12: 46-47)
[14] -متى (13: 55)
[15] -رسالة غلاطية (1: 19)

0 commentaires:

إرسال تعليق