سابعا : الخطبة والزواج من يوسف النجار


سابعا : الخطبة والزواج من يوسف النجار

لم يرد ذكر يوسف النجار[1] فضلا عن هذه الخطبة في نصوص الكتاب والسنة حسب ما توصلت إليه ،
أما حسب رواية الأناجيل فإن يوسف النجار كان من صالحي بني إسرائيل ، وكان خطيبا لمريم عليها السلام ، ولم يدخل عليها حتى وضعت المسيح عليه السلام.
ففي إنجيل لوقا نجد التصريح بالخطبة في قوله : (الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم)[2].
وكان يوسف النجار يصطحب مريم عليها السلام وولدها لأورشليم في أعياد الفصح ، والتي كان ال  هاب إليها بمثابة الحج في الشريعة اليهودية ، ومن بعدها في المسيحية ، يقول لوقا : (وبعدما اكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم ويوسف وامه لم يعلما )[3].
وكان اليهود ينسبونه ليوسف النجار لأنه من رباه وكان تحته في صغره ، وقد ذكر لوقا ذلك فقال (و كان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون اليس هذا ابن يوسف )[4] ، وذكر يوحنا أيضا نسبة عيسى عليه السلام ليوسف قائلا : (فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والانبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة )[5] ، وقال أيضا (وقالوا اليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وامه فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء )[6].
وقد ذهب بعض الباحثين أنه تعريض بنسبه أنه من ولد زنا ، وله وجه ، إلا أنه لم يرد في النصوص الشرعية الإسلامية رمي المسيح بأنه ولد زنا بعدما شب في بني إسرائيل ، كذلك لم يرد في النصوص المسيحية ذكر لرميه بأنه ولد زنا تعريضا بأمه ، لكن ما ورد في ذلك انتسابه لسلالة من الزناة ، وليس تعريضا بأمه.
وإن صحت هذه الخطبة فمن المنطقي أن يكون الحمل بالمسيح قبل إتمام الزواج وإلا لنسب الولد لأبيه ، ولم يوجد داع للطعن في مريم ورميها بالزنا ، ومن ثم يكون من هذه اللوازم الطعن في هذه المعجزة –الولادة من أنثى فقط- وعدم إنكار اليهود لحمل مريم عليها السلام.
وقد ذكر متى أن المعجزة كانت قبل نكاح مريم عليها السلام من يوسف النجار قائلا : (اما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم امه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس)[7] .
كما ذكر أن يوسف حينما علم بالأمرلم يرد التشهير بها وحينما جاءه ملاك الرب تيقن من المعجزة ، وقد روى متى هذا الحدث أيضا قائلا : (فيوسف رجلها اذ كان بارا ولم يشا أن يشهرها اراد تخليتها سرا * ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف أن تاخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس  * فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم * وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل * هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا * فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما امره ملاك الرب واخذ امراته * ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع )[8].
وهذا النص دلالة على ما يلي :
أولا : في قوله (قبل أن يجتمعا) دليل على أن النكاح لم يتم بعد.
ثانيا : في قوله "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" أنه عرفها بعد ذلك ، والمراد بالمعرفة المعاشرة ، ويفسره قول مريم في إنجيل لوقا (فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا)[9].
ثالثا : أن قوله البكر دال على أن هناك آخر أو آخرون قد تم ولادتهم من مريم عليها السلام ، وهم إخوة للمسيح عليه السلام ، كما ذكر مرقس : (اليس هذا هو النجار ابن مريم واخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان اوليست اخواته ههنا عندنا فكانوا يعثرون به )[10].
رابعا : أن هذه البشارة من الأمور الملفقة في الكتاب المقدس ، وذلك في محاولة لتأكيد بشارة أشعياء النبي ، إلا أن المسيح لم يدع مطلقا ب "عمانوئيل" مما يدل على أنه ليس المقصود بالبشارة ، والمستقر أن الملك حينما جاء لمريم للبشارة إنما بشرها بيسوع وليس بعمانوئيل ،  يقول لوقا : (و ها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع) [11] ، فهي أمور ملفقة في العقيدة ، فهم ألفوا العقيدة ثم صنفوا لها المصنفات ليؤيدوها ، ورحم الله الشيخ ابن عثيمين إذ يقول : "لا تعتقد قبل أن تستدل ، بل استدل أولا ثم اعتقد" ، فالله عز وجل هكذا أمرنا في كتابه الكريم بقوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)[12] ، فأمر بالعلم قبل القول والعمل ، وهذا هو منهج أهل الحق ، أهل السنة والجماعة ، السلفيون ، الذين لا يحكون رأسهم إلا بأثر ، يقتفون أثر الدليل الشرعي ، فمتى وجدوه أخذوا به ، وإلا فلا يسلكون منهج أهل الأهواء والبدع.
وحينما رأى يوسف النجار هذا الحلم ، قام فاصطحب مريم وولدها عليهما السلام إلى مصر خشية أن يقتل هيرودس الطفل كما قال متى : (و بعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وامه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك لان هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه *  فقام واخذ الصبي وامه ليلا وانصرف الى مصر)[13] ، وظلوا هناك حتى علموا بموت هيرودس ، فقاموا ورجعوا به إلى الناصرة ، يقول متى : (فلما مات هيرودس اذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر * قائلا قم وخذ الصبي وامه واذهب الى ارض اسرائيل لانه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي * فقام واخذ الصبي وامه وجاء الى ارض اسرائيل * ولكن لما سمع أن ارخيلاوس يملك على اليهودية عوضا عن هيرودس ابيه خاف أن يذهب الى هناك واذ اوحي اليه في حلم انصرف الى نواحي الجليل * واتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالانبياء انه سيدعى ناصريا)[14].
أما الزواج فقد حدث بعد ذلك وكان يوسف في حوالي التسعين من عمره ومريم في الثانية عشرة من عمرها ، وعاشوا سويا[15] وأنجبوا أولادا بعد ذلك كما يذكر الإنجيل ذلك[16] ، وفي ذلك أكبر دليل على من أنكر نكاح الصغيرة ، فالزواج بين مريم ويوسف النجار كان مشابها لنكاح النبي من عائشة رضي الله عنها ، لكن القوم زاغوا ولم يلتفتوا إلا إلى ما لا يدركون أنه يعود عليهم ، ولو كان مباحا حلالا ، فلا يسعنا إلا أن نقول كما قال الله عز وجل : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[17].



[1] - يقدس النصارى أيضا يوسف النجار بوضع الصور له ، فيضعون الصور للأم ولزوج الأم وللابن في مقدمة بيوتهم.
[2] -لوقا(1: 27)
[3] -لوقا (2: 43)
[4] -لوقا (4: 22)
[5] -يوحنا (1: 45)
[6] -يوحنا (6: 42)
[7] -متى (1: 18)
[8]-متى (1: 19-25)
[9] -لوقا (1: 34)
[10] -مرقس (6: 3)
[11]- لوقا(1: 31)
[12] -محمد (19)
[13] - متى(2: 13-14)
[14] - متى (2: 19-23)
[15] -العذراء مريم ص 21، الأنبا جريجوريوس.
[16]- وفي ذلك رد على من طعن بنكاح النبي من السيدة عائشة رضي الله عنها.
[17] -الحج (46)

0 commentaires:

إرسال تعليق