حادي عشر : خاتمة في بيان أن عقيدة مريم عليها السلام ليست هي عقيدة النصارى اليوم


حادي عشر : خاتمة في بيان أن عقيدة مريم عليها السلام ليست هي عقيدة النصارى اليوم

كانت العقيدة الأولى لمريم هي عقيدة اليهود ، ولا ريب أنها لمكانتها التي ذكرت في القرآن أنها من أهل التوحيد الخالص ، فالله اصطفاها وطهرها على نساء العالمين ، وكفلها زكريا ، وكانت المختارة لحمل آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى عليه السلام.

فلم تسجد للروح القدس عندما جاءها ، بينما يعتقد النصارى أنه أقنوم من الأقانيم ، فلم تقل له أنت الأقنوم الثاني ، أو أنت روح الله ، جزء من الإله ، ولم تتعبد له ، ولم تقل تشكره على هذه الكرامة ، فهو ملك مكلف بمهمة من رب العالمين ليس أكثر من ذلك.
وبحملها بعيسى عليه السلام لم يخطر ببالها مطلقا أنها تحمل من رب العالمين ، أو أنها تحمل بابن الرب ، لذلك حينما جاءها الملك لم تستنكر فكرة الحمل بالإله لأنها لم تكن مطروحة ، وإنما استغربت فكرة حملها دون أن يمسسها بشر ، ولو كان حملها من الرب مطروحا لما أثير السؤال الثاني ، لأنه لا محالة أن الاستغراب يذهب للسؤال الأول.
ويؤكد ذلك مجيء المجوس حين ولادة المسيح وسؤالهم حول ملك اليهود ليسجدوا له إجلالا وتعظيما ، وهذا دليل على تفنيد ادعاء النصارى بألوهية المسيح ، يقول متى : (و لما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس الملك اذا مجوس من المشرق قد جاءوا الى اورشليم * قائلين اين هو المولود ملك اليهود فاننا راينا نجمه في المشرق واتينا لنسجد له)[1].
فلو فرضنا أن الملاك جاءها فقال : تحملين من الآب بالابن ، أيكون الرد كيف ولم يمسسني بشر أم تخر مصعقة من حلول الروح القدس بها استغرابا وخوفا ورهبة مما سيلحقها من حلول الروح القدس بها؟!
لا ريب أنه كما ذكرنا الأول ، وهو ما لم يحدث فدل على نفي الاحتمال ، وأن عقيدتها التي كانت عليها أنها تحمل بإنسان وليس إله.
وحينما ظهر ملاك الرب ليوسف النجار في حلمه ماذا قال له؟ هل قال له قم وخذ الرب؟ لا ، بل قال له قم وخذ الصبي لأن فكرة التجسد الإلهي أو الحمل بإله لم تكن متصورة ، ولا يمكن تصورها ، يقول متى : (و بعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وامه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك لان هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه *  فقام واخذ الصبي وامه ليلا وانصرف الى مصر)[2].
ولم تستغرب يوسف النجار ومريم هذا الأمر ، حينما جاء الأمر بالهرب إلى مصر بالغلام لم تقل مريم : أيهرب الرب خوفا من بطش الجبارين في الأرض؟! ، وذلك لأن احتمال الحمل بإله لم يكن مطروحا في فكرها ولا في فكر يوسف النجار خطيبها ، وإنما غاية ما توصلوا له كون هذا الغلام له شأن ، وغاية هذا الشأن هو مقام النبوة وليس التأليه.



[1] - متى(2: 1-2)
[2] - متى(2: 13-14)



كتبه
أبو عبد الرحمن غنيم غنيم عبد العظيم 

0 commentaires:

إرسال تعليق